تتمثل أحد أكبر التحديات التي تواجهها إذا كنت تعمل كمهندس معماري هو الحصول على فكرة تصميمية (كونسبت معماري) جيدة، غير مكررة، يمكن تنفيذها على أرض الواقع، وقابلة للتطور فيما بعد. 

وذلك لعدم إلمامك الكافى بالكونسبت المعماري، ومن أين تبدأ بالتفكير؟! وما هو نوع الكونسبت أو الفكرة التصميمية الواجب اختيارها لتتناسب مع مشروعه المعماري.  لذا فإننا في هذا المقال سوف نتحدث بشئ من التفصيل عن طرق، ونصائح تساعدك في ايجاد الفكرة التصميمية، تعمق معنا لتعرف ذلك.

وقبل أن نتطرق لطرق الوصول إلى الفكرة التصميمية (الكونسبت المعماري)، يجب أن نتناول مفهوم الكونسبت المعماري، وأهميته بالنسبة لك كمهندس معماري فى تنفيذ مشروعاتك.

 

ماهو مفهوم الفكرة التصميمية (الكونسبت المعماري)؟!

الفكرة التصميمية (الكونسبت المعماري)
الفكرة التصميمية (الكونسبت المعماري)

الفكرة التصميمية هى الصورة الأولية للفكرة العامة للمشروع الهندسي، أي هى بمثابة بداية التفكير والتى تحتاج إلى تفسير وتطوير لاحقًا، فهي تشمل رؤية تحليلية للمشكلة المعمارية. 

إذًا فإن الفكرة التصميمية تُشكل العمود الفقري ونواة العمل المعماري، والأساس لمشروع التصميم الذي يدفعه إلى الأمام. والذي يصبح القوة والهوية الكامنة وراء تقدم المشروع ويعتمد عليه باستمرار في كل مرحلة من مراحل تطوره، فكل مشروع معماري يجب أن يشتق من فكرة تصميمية خاصة به، مما تعطي المشروع في النهاية الطابع والهوية الخاصة به.

 

متى تبدأ مرحلة التفكير في الكونسبت المعماري؟! 

الكونسبت المعماري
الكونسبت المعماري

التفكير في الكونسبت المعماري هو المرحلة الثانية من مراحل التصميم المعماري. حيثُ تتمثل مراحل التصميم المعماري فيما يلي:

  • المرحلة الأولى: مرحلة الإعداد

تشمل هذه المرحلة تحليل الموقع،العلاقات الفراغية، الدراسات المرجعية، دراسات الحالة، التحليل المساحي. 

  • المرحلة الثانية: مرحلة الإبداع

هذه المرحلة هي بداية التفكير في الكونسبت المعماري أو الفكرة التصميمية للمشروع المعماري، وتشمل انطلاق الفكرة التصميمية، وعمل التصميم الأوّلي لها، وصولاً إلى الصورة النهائية. وإن دل هذا على شئ، فإنه يدل على أن الفكرة التصميمية تحتاج قبلها إلى إعداد وتحليل. 

  • المرحلة الثالثة: مرحلة العرض والإخراج

تتمثل هذه المرحلة في تحليل الفكرة التصميمية، وتقييمها، وأسلوب عرضها. 

 

ما هي العوامل التي تؤثر على الفكرة التصميمية لمشروعك المعماري ؟!

وتتمثل هذه العوامل في: 

  1. طبيعة المشروع المعماري ومشكلاته التصميمية. 
  2. طبيعة الموقع. 
  3. طبيعة المستخدمين. 
  4. طبيعة المصمم المعماري واتجاهاته الفكرية وخلفيته الثقافية. 

 

ما هي خصائص الكونسبت المعماري؟!

  1. الوضوح والبساطة في الربط بين المكونات والتشكيل والفكرة. 
  2. أن يعبر المعماري عن فكره بدون مبالغة. 
  3. البعد عن الصراحة المباشرة فى توظيف الفكرة التصميمية. 
  4. توافق الفكرة التصميمية مع المحيط والتأثر به. 
  5. ان تكون الفكرة التصميمية نابعة من المشكلة المعمارية. 
  6. أن تتسم بالتجريد والعمق , وأن تعطي الدلالة والرؤية بدون تفاصيل. 

 

ما هي أنواع الفكرة التصميمية (الكونسبت المعماري)؟!

قبل أن نسرد أنواع الفكرة التصميمية، يجب التنويه بأن تصنيف الأفكار قد يبدو صعبًا، حيث أن طريقة التفكير والتعبير عنه تختلف من شخص لآخر بشكل واضح، ولكن يظل وجود رابط بين كل مجموعة من الأفكار يجعل لها توجهًا متشابهًا له إطاره العام وخصائص معينة، كما أن التصنيف لا يكون للفكرة ذاتها ولكن يمكن القول بأن التصنيف يكون تبعًا لمصدر الفكرة أو كيفيّة تطبيقها. 

وأخيراً من الممكن الجمع بين أكثر من كونسبت لمشروع واحد، ومن المهم تحديد نوع الكونسبت عند البدء بتصميم المشروع، هذا يجعل المشروع واضح وقوي. 

وتتمثل أبرز أنواع الفكرة التصميمية فيما يلي:

  • الفكرة التصميمية التخطيطية

هي الفكرة التي تنعكس على التخطيط العام للمشروع ككل بحيث تظهر في المباني والعلاقات الرابطة للكتل، وتكون هذه الفكرة في المشاريع متعددة المباني أو المشاريع التي تحتاج مناطق مفتوحة ذات فراغات محددة. 

وتعتبر الفكرة التخطيطيّة فكرة عامة بحيث تتضمن نوع أو أكثر من الأفكار الأخرى. 

  • الفكرة التصميمية الهندسية

هي فن استخدام الأشكال الهندسية والفراغية البسيطة ودمجها معاً لينتج عنها كتلة لها قواعدها وأسسها فيما يخص النسب ونقاط الالتقاء، وهي من أسهل الأفكار التصميمية، مختصة في الغالب بالمباني البسيطة كالمدارس والمباني السكنية. 

  • الفكرة التصميمية النحتية

هي عمليّة تحوير للأشكال الهندسيّة، تتعامل مع المبنى كقطعة فنية واحدة ومتكاملة، وتستخدم أسس وقواعد النحت من الناحية البصرية والتشكيل والثبات والإحساس، وتستخدم هذه الفكرة التصميمية غالبًا في المباني العامة والمباني السكنية والمولات. 

  • الفكرة التصميمية الوظيفية

هناك بعض المباني يغلب على تصميمها الوظيفة الداخلية  كالمستشفيات والمطارات, إذ ينصَب الاهتمام على الحل الوظيفي وقد تضفي الوظيفة الداخلية في المباني شكلًا مميزًا كما في المعارض حيث تمثل الحركة الداخلية هنا عنصرًا رئيسيًا قد يظهر بوضوح في تشكيل المبنى الخارجي. 

فنجد المدرسة الوظيفية في العمارة تتبع مقولة المعماري لويس سليفان (الشكل يتبع الوظيفة) بمعنى  أن المبنى يؤدي الغرض الذي صُنع من أجله دون زيادة أو نقصان، ولو تكلمنا بلغة معمارية ، أي أن شكل المنشأ المعماري يجب أن يتبع قواعد الوظيفة المرجوة منه. 

  • الفكرة التصميمية البيئية

زاد اهتمام ووعي المعماريون بالاستدامة، وأصبح التوجه الأكبر حاليًا لديهم لتطبيقها على المباني، بحيث تكون مستمدة من بيئة الموقع أو مناخه، وتستخدم في كافة المباني من أصغرها إلى أكثر المباني ضخامة، لها أنواع متعددة وتطبق بأكثر من حالة، ولا تقتصر فقط على مجرد سقف أخضر بل هي دراسة شاملة للمبنى. 

  • الفكرة التصميمية العضوية

يمكن للمعماري أن يستلهم أفكاره التصميمية من أشكال الحيوانات والكائنات الحية وغالبًا ما يكون من الكائنات الحيّة المتوفرة في البيئة المحيطة، أو أن تكون هذه الكائنات رمز من رموز المنطقة، هذا النوع يصلح في المباني العامة والكبيرة نظرًا لتكلفة البناء الكبيرة. 

  • الفكرة التصميمية التجريدية

قد يقوم المعماري باقتباس عنصر معين ويكون ذو طابع إيحائي أو رمزي، ولكن لا يكتفي بعكسه في التصميم، وإنما يدخله في طور التجريد ليحصل على تشكيل جديد، وتزداد قوة هذه الفكرة إذا تم إدخال الجانب الفلسفي في عملية التجريد. (وقد تأتي الفكرة من نقش على جدار قديم أو من كلمة أو من فيلم سينمائي، لون أو إحساس أو حتى أداة معينة) ولكن لا يكتفي بعكسه في التصميم، وإنما يدخله في طور التجريد ليحصل على تشكيل جديد، وتزداد قوة هذه الفكرة إذا تم إدخال الجانب الفلسفي في عملية التجريد. 

  • الفكرة التصميمية الإنشائية

تعتمد فكرته على إظهار العناصر الإنشائية في المبنى وتأكيدها كالجمالونات والإطارات، وتستخدم هذه الفكرة لحل مشكلة إنشائية لكن بطريقة متفردة، ويمكن القول بأن الفكرة الإنشائيّة هي فرع من فروع الفكرة التجريديّة، ويظهر ذلك في تصميم ملاعب كرة القدم. 

  • الفكرة التصميمية التقنية

تستخدم هذه الفكرة التصميمية لحل المشاكل بشكل تقني وتطبيقي عن طريق استخدام تقنيات حديثة ووسائل تكنولوجية مبتكرة وقد يكون التصميم مبني على استخدام برامج التصميم الحديثة مثل برامج Rhino & Grasshpper . 

  • الفكرة التصميمية الفلسفية

تعتمد هذه الفكرة التصميمية على أخذ عنصر ما، وفلسفته وصياغته بكونسبت مرتبط بالمشروع، وتزداد قوة هذا النوع من الأفكار بتعدد ارتباطات الفكرة وجزئياتها مع المشروع وجزئياته، وهنا يجب الإبتعاد عن السطحية في ترجمة الفكرة والبحث عن الأبعاد الإيحائية لمضموناتها. 

 

كيف تحصل على الكونسبت المعماري؟!

الكونسبت المعماري
الكونسبت المعماري

تعد الفكرة التصميمية هي الخطوة الأولى للمشروع المعماري، وبالتالي إذا حققتها بنجاح فسوف تنطلق للمشروع، لذلك من المهم أن تعرف جيدًا المصادر التي يُمكنك من خلالها استلهام أفكار لمشروعك المعماري، وتتمثل أهم هذه المصادر فيما يلي: 

1- الإعتماد على فكرك المعماري

قبل أن تلجأ إلى مصادر للبحث واستلهام أفكار تصميمية لمشروعك المعماري، من الضروري جدًا أن تعطي الفرصة لنفسك للتفكير جيدًا في المشروع، والإنغماس في تفاصيله، مع وضع البدائل المناسبة، وهذا يشمل القيام بثلاثة مهام رئيسية، وهم: 

  • تحليل موقع المشروع ومحيطه جيداً. 
  • دراسة البرنامج الوظيفي للمشروع وعناصره. 
  • عمل الدراسات المرجعية للمشروع. 

وذلك لأن كل عنصر من هذه العناصر يُعتبر مصدر من مصادر الفكرة التصميمية؛ لكي تصل في النهاية إلى أفضل فكرة تصميمية لمشروعك المعماري. 

2- الاستعانة بالمواقع المعمارية

تعتبر من أهم المصادر التي تستطيع من خلالها الحصول على أفكار لمشروعك المعماري، وذلك من خلال رؤية المشروعات المشابهة. 

وتتمثل أبرز هذه المواقع في 

3- الاستعانة الكتب والمجلات العلمية

تعتبر الكتب والمجلات العلمية أهم المصادر التي يمكنك اللجوء إليها لرؤية أفكار معمارية من مشروعات معمارية مشابهة لمشروعك المعماري، ومن أبرز الأمثلة على المجلات المعمارية العربية التي يمكنك الإستعانة بها في استلهام الأفكار التصميمية لمشروعاتك المعمارية، مجلة البناء السعودي الموجودة على موقع Issue ، والتي تُعتبر من أهم وأقوى المجلات المعمارية العربية، حيث يُمكنك من خلالها تصفح أبرز المشروعات المعمارية، وأيضًا متابعة أحدث الأخبار الموجودة على الساحة المعمارية. وكذلك مجلة twenty two22، مجلة لمجموعة شباب متطوع من سوريا بتقدم محتوى مميز خلال عدد جديد من المجلة يتم اصداره كل شهر يحتوى على مشاريع مميزة ومقالات مفيدة وحوارات مع معماريين من مختلف الدول العربية. 

4- الاستعانة بالكتب المتخصصة فى مشاريع معينة

كتب تتكلم فقط عن مشاريع معينة مش المتاحف والبنوك والمكتبات وغيرها الكثير من المشاريع، تقدم هذه الكتب معلومات كافية عن اعتبارات تصميم المشروع، وتعرض مجموعة كبيرة من أهم المشاريع من خلال المخططات والأفكار والدراسات المعمارية. 

5- متابعة أعمال المعماريين العالميين

من المهم جدًا أن تقوم بمتابعة أعمال المعماريين العالمين والمشهورين في المجال، والإطلاع على أعمالهم باستمرار، فإن ذلك من شأنه أن يجعلك تستلهم منهم الكثير من الأفكار التصميمية التي ستساعدك في مشروعاتك المعمارية، والإطلاع على كل جديد في مجال العمارة. 

 6-متابعة المكاتب الهندسية الشهيرة

من الضروري معرفة المكاتب الهندسية المشهورة بأفكارها التصميمية المميزة، والفريدة، ومتابعة أعمالهم الهندسية، وأفكارهم المعمارية في مشروعاتهم باستمرار ومعرفة أخبارهم, خلال متابعة المكاتب الهندسية الشهيرة ومتابعة اعمالهم يمكنك الإطلاع على مشاريعهم وأفكارهم والجديد فى مجال العمارة, وتتطلع على المخططات الكاملة للمشاريع. 

مثال: مكتب المعماري الشهير نورمان فوستر، حديد ، Big ، MVRDV ، HOK ، SOM 

 7- مشاهدة محاضرات المعماريين وحضور الفعاليات المعمارية

حضور الفعاليات المعمارية يطور فكرك المعماري للأفضل خلال الاستماع لمعماريين مشهورين وعرضهم أهم مشاريعهم وحديثهم عن أفكارهم ورؤيتهم وطريقتهم فى التفكير في العمارة، من أشهر وأهم المنصات التي تقدم فعاليات ومحاضرات معمارية، منصة Ted Talks التى تقدم كنز من المحاضرات المعمارية لأشهر المعماريين في العالم مع عرض أفكارهم ومشاريعهم. 

 

كيفية تطبيق الفكرة التصميمية (الكونسبت المعماري)؟

عن طريق اختيار الألوان والمواد والتوزيع والأشكال والجو العام، حيث أن الفكرة التصميميّة لا تنتهي عند نهاية التصميم الأوّلي فقط بل يجب أن تمتد إلى ما بعد ذلك إلى مرحلة التنفيذ.
ولتطبيق الفكرة يجب أن تكون جميع عناصر التصميم (الإضاءة، والألوان، والخامات، والمواد، والأشكال) في تناسق مع بعضها البعض بما يناسب و يخدم الفكرة. 

بعض الأفكار تظهر واضحة من خلال الشكل الخارجي للمكان و بعضها تظهر من خلال استخدام الخامات و بعضها من خلال الجو العام للمكان. 

أيضًا هناك اتجاهين للتطبيق:–  

  • تطبيق وظيفي عملي يعتمد على وظيفة المكان و حل المشاكل. 
  • تطبيق شكلي يعتمد على الشكل الجمالي و الشكل النهائي للتصميم، و إذا كان التطبيق هكذا فإنه يكون ناقصًا لذا من الأفضل الجمع بينهما. 

ما هي عوامل نجاح الفكرة التصميمية (الكونسبت المعماري)؟

لكي تنجح فكرتك التصميمية، أو الكونسبت المعماري الخاص بمشروعك، هناك بعض العوامل التي يجب أن تتوافر فيه، أهمها: 

  1. أن تكون متجذرة أو مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمشكلة المعمارية. 
  1. أن تكون أولية وعامة لأنها تمثل بداية ظهور شخصية العمل المعماري. 
  1. أن تكون قابلة للتجديد لاحقًا. 

للكونسبت المعماري بُعدين يجب على المعماري تحقيقهما لكي يضمن نجاح كامل لتصميمه وهما:- 

  • التعبير الداخلي: متعلق بإحساس المستخدمين داخل المشروع بوجود الفكرة.
  • التعبير الخارجي: متعلق بالانطباع الذي يتشكل للناس خارج المشروع.

 

الخلاصة:

الحصول على الفكرة تصميمية أو الكونسبت المعماري ليس بالأمر الصعب ولكنه يحتاج إلى خطوات مدروسة وذهن صافي، فلذلك قم بتنظيم ملفاتك على جهازك وقم بتصنيف المشاريع أول بأول، وحذاري من نقل المشاريع واقتباسها كما هي، ولكن المطالعة تكون من أجل الاستفادة والتغذية البصرية.

 

إقرأ أيضًا:

تعرف على أنواع الأنظمة الإنشائية وكيفية اختيار النظام المناسب؟ [2022]

كل ما تحتاج إلى معرفته عن التصميم الداخلي interior design [في 2023]