ارتبط فن العمارة الإسلامية بكل المنشآت التاريخية والدينية منذ فجر الإسلام حتى الآن، فكان لها طابعًا خاصًا يميّزها عن غيرها من فنون العمارة.

تعد العمارة الإسلامية واحدة من أشهر تقاليد البناء حول العالم. تميّز فن العمارة الإسلامية  باستخدام الألوان الزاهية والنابضة بالحياة. تضم العمارة الإسلامية الطُرز المعمارية لكل المباني المرتبطة بالإسلام والمنطقة الإسلامية، فتشمل كلًا من الأساليب المدنية والدينية على حدٍ سواء منذ تاريخ الإسلام الباكر في بداية القرن السابع الميلادي إلى يومنا هذا، مما أثر على تصميم وتشييد المباني في الثقافة الإسلامية. نقدم في هذا المقال كل ما يخص فن العمارة الإسلامية منذ نشاته حتى الآن، تابع معنا.

ما هو فن العمارة الإسلامية وأين نشأ؟        

العمارة الإسلامية

يعتبر فن العمارة الإسلامية وثيق الصلة بالدين الإسلامي، وتطور هذا الفن على مر الزمان وتأثر بالأساليب المعمارية السابقة مثل عمارة بلاد ما بين النهرين والعمارة الرومانية، وتأثر بعد ذلك بالعمارة الصينية والعمارة المغولية، ويتسم فن العمارة الإسلامية بالألوان الزاهية والأنماط الغنية والتناسق الهندسي، ويقتضي الاستعمال الصحيح للكتل المجمّعة للوصول إلى شكل نهائي يهتم بتجسيد المبادئ الإسلامية في موضوعاته.

على الرغم من ارتباط فن العمارة غالبًا ببناء المواقع الدينية الإسلامية، إلا أنه يظهر أيضًا في المباني الأخرى، من قصور وحصون ومباني عامة وكذلك المقابر والقلاع، ومن الجدير بالذكر أن العمارة الإسلامية تحظر استخدام التماثيل أو اللوحات التي تصوّر كائنات حية.

نشأ فن العمارة الإسلامية  في الأراضي التي فتحها  المسلمون في العصور الوسطى، وانتشر بعد ذلك في البلدان التي تحتوي على غالبية مسلمة بالإضافة إلى الدول العربية مثل الجزائر ومصر والعراق، والعمارة الإسلامية شائعة أيضًا في المناطق الأوروبية ذات الجذور المغربية، بما في ذلك أجزاء من أسبانيا والبرتغال وإيطاليا ومالطة.

ما هي خصائص فن العمارة الإسلامية؟                              

تتميز العمارة الإسلامية ببعض الخصائص التي تنفرد بها دون غيرها من فنون العمارة، وتشكل هذه الخصائص بدرجة كبيرة هوية هذا الفن العظيم الذي استطاع أن يحافظ على هويته على مر العصور؛ حتى بعد خضوعه لبعض التجديدات بسبب التطورات المتلاحقة في مجال العمارة، فهو يواكب هذه التغيرات مع الحفاظ على بصمته الخاصة، نذكرها فيما يلي:-

  • الشمولية:- 

تشمل المباني والإنشاءات التي تتسم بالطابع الإسلامي على جميع المنافع التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية، فلكل وظيفة من الوظائف التي يمكن أن يحتاج الإنسان للقيام بها عمارة وبناء خاص بها.

  • الخصوصية:-

يهتم فن العمارة الإسلامية بالخصوصية؛ إذ يراعي خصوصية كلاً من المرأة والرجل في البناء وذلك خلاف العمارة الغربية التي تتبع نمطًا واحدًا في التشييد. ونجد ذلك خلال تصميم الشرفات والمشربيات والحرملك، سوف نتوسع في الحديث عنهم، تابع معنا.

  • البيئية:-

تعتمد المباني ذات الطابع الإسلامي على العناصر البيئية التي يمكن تدويرها وإعادة استخدامها.

  • الوظيفية:-

يتم بناء العمارة الإسلامية وِفقًا للقاعدة الأصولية “لا ضرر ولا ضرار”، فيتم البناء على حسب احتياج الشخص من البناء دون زيادة أو نقصان، مع مراعاة رفع أي أذى قد يترتب على هذا البناء.

  • الجمالية:-

يهتم فن العمارة الإسلامية بالجانب الجمالي، فيتم تزيين المباني بما يتناسب مع قواعد الشريعة الإسلامية، وتجنب المعماريون الإسلاميون رسم الكائنات على جدران المساجد ودور القضاء؛ بينما تساهلوا قليلاً في الرسم على جدران القصور.

  • الزهد:-

تميزت العمارة الإسلامية بالزهد في البناء، فامتنعت عن المبالغة في التزيين والزخرفة، فهي تقوم بالتوازن  فلا هي تميل إلى البخل ولا الإسراف و التبذير.

تطوُر فن العمارة الإسلامية على مر العصور:-                         

بدأ ظهور فن العمارة الإسلامية في بداية العصر الإسلامي، ولكن معالمها لم تكن اتضحت بعد؛ حيث لم تنتشر الإنشاءات في تلك الحقبة الزمنية بشكل كبير بالإضافة إلى الزهد المنتشر في ذلك الوقت.

تطورت العمارة الإسلامية على مر العصور، مع تغيُر الحقب الزمنية وتغيُر متطلبات كل عصر عن العصر الذي يسبقه.

عهد الرسول و الخلفاء الراشدين:-                           

لقد بدأت العمارة الإسلامية في بداية العصر الإسلامي، ولكنها لم تكن واضحة المعالم؛ إذ لم تكن هناك الكثير من العمارات بالإضافة إلى الزهد الذي كان منتشرًا آنذاك، فقد اقتصرت العمارات على عمارة المسجد النبوي، واستمر الوضع كذلك في عهد الخلفاء الراشدين.

العصر الأموي:-   

فن العمارة الإسلامية في العصر الأموي

شهد بداية العصر الأموي تطور ملحوظ في فن العمارة الإسلامية؛ وذلك لأن خلفاء بني أُميّة قد مالوا إلى الترف والتمتع في الحياة الدنيا، شهد هذا العصر أوابد معمارية دينية ودنيوية عدة، أهمها: المسجد الأموي في دمشق وقبة الصخرة والمسجد الأقصى في القدس.

نرى في العهد الأموي تطورًا كبيرًا في طرق البناء، فقد ابتكر الأمويون فنون في تشييد الأبنية والقصور والمساجد؛ وقد استفادت منها الحضارات اللاحقة التي اخذت من طراز البناء الأموي ونقلت عنه، فنجد العقود واستخدام الجمالونات الخشبية المجملة على أكتاف من الحجر.

العصر العباسي                                                  

تمتّع العصر العباسي بالاستقرار والازدهار، فقد تميزت المباني العباسية بتنوع أساليب الزخرفة فيها فاستخدمت الفسيفساء والخشب المحفور، والتقطيعات الرخامية والطينية المطلية بالميناء وبلاطات القيشاني وتنوعت أشكال الأقواس من نصف اسطوانية ومدببة ومفصصة وحدوية، كما أصبح الإيوان عنصرًا معماريًا هامًا في المباني العامة.

العصر الفاطمي                                    

يُعد مسجد الأزهر بالقاهرة أحد أهم المباني الدينية الفاطمية حيث تمتزج فيه تأثيرات العمارة الإغريقية التونسية مع المدرسة المحلية، وكذلك مسجد الحاكم بأمره، الذي يحمل اسمه. أما جامع الأقمر؛ فتمثل الأشكال الصدفية للحنايا والتضليعات الموجودة في واجهته أول مثال للمقرنصات الزخرفية في مصر، وتم تزيين المآذن فيما بعد.

العصر الأيوبي                                         

اهتم فن العمارة الإسلامية في العصر الأيوبي بتشييد القلاع والحصون والقباب، وكذلك إنشاء المباني والمنشآت الدينية. واقتصرت الزخارف في المباني على أماكن محدودة في الأشرطة الزخرفية فوق مداخل الأبواب وإطارات النوافذ، وظهرت عناصر زخرفية جديدة تعلو مداخل الأبنية وهي الرنوك (الرموز، الشعارات)، وقد أصبحت هذه المداخل أكثر ارتفاعًا يعلوها عقد مقرنص أو قبتين صغيرتين.

العصر المملوكي                                 

اعتمدت العمارة الإسلامية في العصر المملوكي على الحجارة المنحوتة ، وعلى تناوب اللونين الأبيض والأسود في حجارة المداميك، وأحيانًا اللون الأصفر أو الأحمر، وقد يبدو التناوب اللوني مستخدمًا على الواجهة كلها، أو في بعض أجزائها. وظهرت أشكال جديدة من الأقواس، وتطور استعمال القباب ذات الرقاب، كما ظهر أول مرة الشكل الأسطواني للمآذن.

أبرز إبداعات فن العمارة الإسلامية:-                         

1– المساجد

مسجد أحمد بن طولون

 

تُعد المساجد أهم الأعمال المعمارية الإسلامية وأكثرها انتشارًا، فقد شغلت اهتمام المعماريون حيث لها طابع وشكل خاص، واهتموا بتزيينها وتجميلها، واتّسمت مداخلها وجدرانها وأسقفها بسمات المبنى الديني. من أشهر المساجد التي اهتمت بفن العمارة الإسلامية مسجد أحمد بن طولون.

2- المآذن

ظهرت المآذن في العمارة الإسلامية لأول مرة في دمشق حين أُذن بالصلاة من أبراج المعبد القديم الذي قام فيما بعد على أنقاضه المسجد الأموي، تعد المآذن أهم العناصر في عمارة المسجد؛ وتأتي على شكل أبراج عالية تحتوي أحيانًا على شرفة واحدة أو أكثر، ولها دور مهم في توجيه الناس نحو المسجد والتعرّف عليه وتُستخدم لرفع الآذان.

تتنوع أشكال المآذن بين مسجدٍ وآخر وحتى بين بلد وآخر، وتتعدد المآذن في المسجد عادةً من مئذنة إلى ست مآذن، يخضع ارتفاع المئذنة عادةً إلى التشكيل الخارجي للمسجد مع وجود التناغم في نسب التفاوت بينها وبين القبة وبين أبعاد وواجهات المسجد، مما يوحي للناظر التجانس المطلوب في وجوه فن العمارة الإسلامية بشكل عام.

3- القباب

ظهرت القباب في فن العمارة الإسلامية لأول مرة في عمارة بلاد ما بين النهرين ونالت أهمية كبيرة في الحضارة الإسلامية؛ والقبة هي جزء من سقف المبنى وتكون عبارة عن هيكل نصف كروي، تتعدد أشكال القباب فمنها الشكل المستدير أو الأسطواني، أو شكل مثلثات متشابكة، وقد تحتوي القباب أحيانًا على مساحة مفتوحة أو شفافة ليدخل الضوء منها، ويزداد ارتفاع فراغها من الداخل.

أشهر القباب في فن العمارة الإسلامية:-                         

  • القبة الخضراء على قبر الرسول “صلى الله عليه وسلم”.
  • قبة الصخرة المشرفة في المسجد الأقصى.

4- المشربيات

المشربيات

تحدثنا سابقًا عن الخصوصية كأحد خصائص فن العمارة الإسلامية؛ ونحن الآن بصدد الحديث عن المشربيات كأحد النماذج المعمارية التي تحترم الخصوصية وتطبقها.

تعد المشربيات سواتر مصنوعة من خشب الخرط، تمكّن أهل المنزل من رؤية الشارع ولا تسمح للمارة في الشراع برؤية من خلفها، من الجدير بالذكر أن المشربيات لا تطل على الشارع فحسب ولكن هناك مشربيات تطل على صحن المنزل لتمكن النساء من التستر أثناء وجود الضيوف والغرباء؛ وهذا يدل على الالتزام بجدود الشريعة الإسلامية ومدى تطبيقها في فن العمارة الإسلامية.

تقوم المشربيات أيضاً بوظيفة مناخية؛ فهي تقلل نسبة أشعة الشمس التي تمر من خلالها وتخفف حدتها، وتعمل على انكسارها، فتدخل بهدوء من خلال الفراغات الموجودة ويتم التحكم بمرور الضوء. وتتحكم المشربيات أيضًا بكمية تدفق الهواء ورطوبته وسرعته داخل المنزل.

يتم صناعة المشربية من الخشب الطبيعي غير المطلي بأي مواد عازلة، والذي يحتفظ بالماء في مساماته مما يؤدي إلى دخول الهواء رطبًا داخل المنزل. وتزود المشربية بضُلف مصمتة من الخشب أو الزجاج من أجل تفادي البرودة في الشتاء، وبهذا تكون المشربية ملائمة صيفًا وشتاءًا، تتميز المشربية بالشكل المزخرف ذات المنظر البديع الذي يضفي على المنزل رونقًا وجمالاً.

5- القصور

شيّد المسلمون قصورهم على طراز فن العمارة الإسلامية وكان يسكنها الحكام لتكون بمثابة هياكل كبيرة مهيمنة تكشف أفق المدن الموجودة فيها، ويعد القصر العباسي في بغداد من أشهر الأمثلة على القصور الإسلامية، فيعود تاريخه إلى القرن العاشر ويتميز بمجموعة من الأقواس وساحة فناء كبيرة، وكان القصر مبني من الطوب ويقع بالقرب من نهر دجلة.

توجد عدة قصور مهمة في تركيا تعود إلى العصرين البيزنطي والعثماني، ومنها قصر توبكابي الذي كان المقر السياسي للإمبراطورية العثمانية، وأجمل ما يميزه هو احتواؤه على عدد كبير جدًا من المآذن والأفنية بالإضافة إلى أنه يقع على قمة تل.

6- الأرابيسك

فن الأرابيسك

يعد الأرابيسك عنصر من عناصر فن العمارة الإسلامية، وهو شائع في تزيين جدران المساجد والمنازل والمباني الإسلامية، والأرابيسك هو تطبيق معقد من الأشكال الهندسية المتكررة التي غالبا ما تتبع أشكال النباتات وأحيانًا الحيوانات وخاصةً الطيور.

يستخدم الأرابيسك في تزيين المساجد والقصور والقلاع الإسلامية، وتتميز العمارة الإسلامية أيضًا باستخدام أنماط النجمة الثُمانية، وقد استلهم المسلمون هذه الأنماط الفنية من العمارة الرومانية، واليونانية، والساسانية.

7- الخط العربي

زيّن المعماريون عمائرهم باستخدام الخط العربي على اختلاف أشكاله، هناك نوعان رئيسيان من خط اليد في الخط الإسلامي التقليدي، الخط الكوفي الزاوي والخط النسخي المائل الذي كان غالبًا يستخدم في نسخ الكتب.

فن العمارة الإسلامية حديثًا:-     

اتجه المعماريون حديثًا إلى التخلص من قيود العمارة الكلاسيكية، وما كانت تفرضه عليهم من تفاصيل وعناصر، واتجهوا إلى استخدام المواد الإنشائية المستحدثة، من الحديد والصلب ثم الخرسانة المسلحة والزجاج والألياف الصناعية  ومشتقات البلاستيك والمواد المعدنية الأخرى، وكذلك الاتجاه الرأسي في البناء، وظهرت اتجاهات جديدة في فن العمارة الإسلامية.

لم تكن العمارة في البلدان العربية بعيدة من هذا الاتجاه، فالمدينة القديمة التقليدية لم تعد قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من السكان، كونها قاصرة عن التوسع الأفقي والعمودي، فهي محصورة بسورها وارتفاع أبنيتها المحدود، فتغيرت مسميات الأبنية وعناصرها وسماتها المعمارية تبعًا لمتطلبات العصر الحديث، وجاءت التصاميم بمفاهيم جديدة تجمع بين الطرز المعمارية الحديثة وقيم فن العمارة الإسلامية، بحيث لا تتعارض التجديدات الحديثة مع التراث.

ختامًا:

قدّمنا خلال هذا المقال كل ما يخص فن العمارة الإسلامية منذ نشأتها الأولى حتى وقتنا هذا، في محاولة للتعرف على تراثنا المعماري وكيف أثر هذا التراث على مجال العمارة حول العالم.

المصادر:

تابع أيضًا: